الأحد , ديسمبر 3 2023
تيم حسن يثأر للعاصي بزنده
تيم حسن يثأر للعاصي بزنده

تيم حسن يثأر للعاصي بزنده

لطالما تناولت الدراما العربية وعلى وجه الخصوص السورية منها الفترة التاريخية المرتبطة بانهيار الدولة العثمانية وصورت الشقاء الذي تعرض له سكان بلاد الشام وخصوصاً الريف السوري ولكن في هذا الموسم الرمضاني يطل علينا مسلسل عاصي الزند ليتناول ذات المرحلة ولكن بحدوثة درامية صرف متناولاً تطور شخصياته بمتعة كبيرة دون الاكتراث المباشر للحامل الرئيس للقصة وهو الأحداث التاريخية التي يدور فيها العمل وربما هذا ما جعله يدخل القلوب قبل البيوت ويتحول إلى متلازمة اجتماعية ذات عمق إنساني كما استطاع أن يترك تأثيره المباشر بكل عناصر الإثارة من البكاء والضحك والانفعال والتشويق والثيمات التي باتت تتناقلها الألسن بسعادة واضحة تدفن خلفها الكثير من الفخر والاعتزاز بمنتج عربي سوري استطاع أن يعيد ثقة الجمهور بهذه الصناعة الدرامية التي لطالما أثبتت نجاحها على مدار عقود طويلة.

بعدسة أحمد الحرك

نردٌ بوجوهٍ لا تحمل إلا النجاح

ليس غريباً على ممثل بحجم الفنان تيم حسن 1976  أن يتماهى مع أي شخصية يؤديها دون أن يقع بفخ تكرار الذات أو دون أن يبتكر أدوات جديدة يستحوذ من خلالها على شخصية كُتبت على الورق ويحولها إلى لحم ودم وهو الذي منذ ظهوره الأول في شخصية “هجرس” – “الزير سالم” قبل ثلاثة وعشرون عاماً ترك أثره الواضح في ذهنية الجمهور العربي رغم وقوفه أمام كبار النجوم في تلك الفترة وتأديته لدوره خلف عدسة الراحل حاتم علي بثقة لا تتوفر إلا عند مبدعٍ يدرك حجم اختلافه ويعرف جيداً كمية أدواته.
لا نجده مبرراً لكل من تنبئ بعدم قدرة النجم تيم حسن بالخروج من ظل شخصية “شيخ الجبل” والتماهي مع شخصيته الجديدة، كيف لا وهو المنصور أبي عامر الذي شغل قرطبة، وعليّ لسان الحق في التغريبة الفلسطينية، هو عبود اللقيط في “الانتظار” الذي تماهى مع العشوائيات وبات عاراً يحمله كل مسؤولٍ عن رعية، هو نبيل في “على طول الأيام” الذي تكيف مع الواقع وخالف مبادئه عنوة لكنه بقي أسير الحب والحقيقة، هو أسعد الوراق الملحمة التي لم يشفى الشارع العربي من جرحها، هو جبل شيخ الجبل، هو عاصي الزند، هو تيم حسن الذي لا يتثنى لنا أن نحصر كل إبداعه على مدار ثلاثة وعشرون عام بمقال واحد، هو نجم لن يأفل وبحوزته كل هذا الحضور وهذه الأدوات.

بعدسة أحمد الحرك

العاصي امتداد جغرافي يخيم عليه الظل

قل ما تناولت الدراما السورية المنطقة الجغرافية التي يمر بها نهر العاصي رغم أهميتها على الصعيد الدرامي لما تتمتع به من طبيعة خلابة يجب استثمارها في صناعة الدراما من ناحية ومن ناحية أخرى البيئة الريفية العريقة التي تناوبت عليها أهم الحضارات على رأسها حضارة آفاميا والعديد غيرها، فنهر العاصي على مدى التاريخ هو استقطاب للتجمعات البشرية المنتعشة والتي تحولت إلى حضارات ومدن تاريخية فمنذ ثلاثة آلاف قبل الميلاد والإنسان يسكن هذه المنطقة وما لحقتها من حضارات يونانية ورومانية وبيزنطية وإسلامية وصولاً إلى وقتنا الحالي وهذا ما يجعلها بيئة غنية بالقصص التاريخية والاجتماعية والبطولات الفردية والجماعية كما يرويها سكان المنطقة والتي بدورها تتناسب مع مفهوم صناعة الدراما وربما من هنا وضع الكاتب عمر أبو سعدة لبنته الأولى لحكايته الملحمية “ذئب العاصي” والتي تعتبر الحكاية المتكاملة الأولى التي تسلط الضوء على هذه البقعة الجغرافية بما يتناسب مع معطيات الطرح للفرضية الدرامية.

بعدسة أحمد الخرك

عاصي الزند بين الواقع والخيال

استطاعت شخصية عاصي الزند أن تكون النواة التي يدور حولها السرد الدرامي بعناصره المكونة للحدث والقادرة على خلق الصراع ودعم مرتكزات الحبكة الدرامية بكل منعطفاتها من أجل الوصول إلى الذروة.

على الصعيد السايكولوجي ظهر بناء شخصية عاصي الزند من المشهد الأول “AVANET TITAR”  للعمل حيث أنه طلب النجدة من أبناء قريته للدفاع عن والده من شخصية إدريس الذي يلعبها الفنان القدير فايز قزق لكن دون جدوى ومع عودته للمنزل يرى بأم عينه مقتل والده وتكون ردة فعله بأنه يفقأ عين قاتل أبيه ويهرب بعيداً ليعود مع بداية العمل مكتسباً الصفات السايكولوجية للشخصية والتي تتمحور حول القسوة واللين، العطف والجبروت، الحب والحقد، مجموعة متناقضات تغني الشخصية وتحولها إلى عنصر ينثر بذور الصراع ويرفع إيقاع العمل الفني برمته من أجل الوصول إلى النهاية.

أما على الصعيد السسيولوجي فما أن عاد عاصي الزند إلى قريته بعد سبعة عشر عاماً قضاه في الحرب اكتسب خلالها شجاعته وإصراره على الحياة حتى يجد نفسه مسلوب الأرض والحق ومن هنا ظهرت ردود أفعاله وقراراته بأن يحمل على عاتقه نصرة أبناء قريته واستعادت الحق حتى ولو بالدم.

ما أن تطورت القصة حتى ظهرت أثار المجتمع المحيط على شخصية عاصي الزند فنراه يتحول من شخص يبحث عن الحق إلى شخص يستثمر ما حوله ويعيش صراع ذاتي لطالما انتصر فيه الواقع المحيط بالشخصية ويرجع هذا التطور في الشخصية إلى البنية الاجتماعية التي تعيشها الشخصية بدءً من مستواها الثقافي مروراً بسنوات القهر التي عاشتها وانتهاءً بفقدان الثقة بكل من حولها الأمر الذي جعلنا نراها في الحلقة الرابعة والعشرون التي تحمل عنوان “رد الدين” وقد بدأ الضغط عليها واستثمارها لصالح شأن سياسي يتلخص بتكليفها بمهمة اغتيال “فيلهم الثاني” إمبراطور ألمانيا آنذاك من قبل مدير البنك “روث سميث” الذي يلعب دوره الممثل الشاب “يحيى مهايني” وهنا يكمن تطور الشخصية على جميع الأصعدة.
ولا بد من الإشارة عن الصفات الخارجية للشخصية والتي تعود إلى البيئة التي نشأت بها وتتصف بالقسوة والاندفاع رغم التخطيط والتكلم بصوت مرتفع وإطلاق الشتائم الذكورية  وحركة اليد و المشية وجميعها صفات استطاع النجم تيم حسن تجسيدها بتماهي مطلق.

عاصي الزند بعدسة أحمد الحرك

لكل نجم بطولته التي يتفرد بها

ما يميز مسلسل ذئب العاصي هو ظهور أبطاله بتفرد واضح فكل ممثل هو بطل بدوره يؤدي شخصيته بمحورية تدفع القصة إلى الأمام ويقدم قصته الخاصة بمعزل عن القصة العامة فحكاية نورس باشا الذي يلعب دوره النجم أنس طيارة تدور حول سطوته على الفلاحين وصراعه مع عاصي الزند وعلاقته مع شقيقاته وخبراته الطفولية مع والده، وكذلك الأمر مع أدريس “فايز قزق” والفنان القدير تيسير إدريس بدور عزت، وشخصية نجاة التي تجسدها الفنانة ” دانا مارديني ” وعلاقتها بوالدها وتمردها على الدولة العثمانية العليا، وشخصية شمس التي تجسدها الفنانة “رهام القصار” والتي أيضاً لها ماضيها وحاضرها ومستقبلها هي قصة متكاملة لها تأثيرها ووقعها لدى الجمهور أما شخصية “صالح” الذي لعبها النجم “مجد فضة” بإتقان كبير كما عود جمهوره وأيضاً النجم “الفرزدق ديوب” له قصته التي بدأت منذ الحلقات الأولى من خلال عشقه لشخصية رغد وكذلك الأمر مع الخريجين الجدد مثل قصة كرم شنان ويارا خوري وحتى الفنانة نانسي خوري  والفنان فؤاد الكيل والفنان طارق عبدو والفنان مازن عباس بدور برهوم والفنان جابر جوخدار فرغم قلة مشاهدهم إلا أنهم استطاعوا أن يتركوا أثراً كبيراً لدى الجمهور. وهذه التشاركية هي سر نجاح العمل فلا ظهور يطغى على الآخر ولكل نجم بطولته التي يتفرد بها.

شراكة أصيلة

لطالما اعتدنا أن يحقق المخرج المبدع سامر برقاوي هذا النجاح المدوي وهو المرتكز بشراكته مع الصّباح أخوان على المهنية المطلقة فالهاجس الأكبر الذي يؤرق أي مخرج مبدع هو شراكته مع منتج مهني يدرك حرفية الصناعة وقواعدها وأصولها وهذا ما يتوفر لدى الصبّاح أخوان وهم من ينشرون انتاجاتهم الفنية والثقافية على مساحة الوطن العربي ويتركون أرثاً فنياً من الأعمال الناجحة في فترة زمنية تعتبر الأكثر غزارة بالإنتاج الدرامي والمخرج سامر برقاوي صاحب الاكتراث المطلق بالتفاصيل فلا يغفل عن أي تفصيل مهما كان صغيراً في عمله وصولاً إلى المهام الكبيرة كاختيار فريق عمله واختياره للممثلين وإدارتهم وشراكته مع التأليف الموسيقي كما حدث مع ذئب العاصي حيث أسندت مهمة التأليف الموسيقي لـ “آري جان سرحان ” والذي بدوره تماهى مع البيئة المشغولة بالعمل وقدم تحفة فنية نالت إعجاب الكثيرين وحتى اختياره للمصور الفنان أحمد الحرك لتغطية العمل بالصور الفوتوغرافية والتي انتشرت كالنار بالهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي.

هي توليفة قادها المبدع سامر برقاوي ليقدم للجمهور العربي ملحمة درامية مبنية على التشاركية تتوفر فيها الشروط الكاملة للعمل الدرامي المكتمل بدءً من الفائدة وانتهاءً بالمتعة.

عن kkh